الصفحات

الجمعة، 15 يونيو 2012

دفاية والدتي ..وحريق رأسي!


دعوني أرسم لكم مخططا تفصيلياً لمنزل "من الطين" دام عمره اكثر من خمسين عام مضت ولازال صامداً في وجه الدهر! عند ما افتح باب المنزل ادخل بدهليز يمر من فوقه درج للسطح ...الدهليز بطول مترين ونصف تقريباً تتوسطه غرفة "مجلس" يقابلني بطن الحوي على اليسار غرفة نوم صغيره بعده غرفة نوم اكبر هذه كانت "مخادعنا" في اليمين من بطن "الحوي" يوجد باب لمطبخ وباب لدرج أخر للسطح يسبقهما باب للنساء  تدخل منه عادة عند تواجد ضيوف بالبيت، طبعا يتوسط الجهة الشمالية من الحوي دورة مياه "عربي"  "اعزكم الله" واحده تخدم المنزل كله اضافة الى واحده في السطح بجانب "المرزاب أو المثعاب".

 حين صعودي للسطح "ولازلت اتذكر المنظر" درج رباعي اللفات على اربعة او خمس درجات في كل لفتين "لمبة" صفراء كأنها "لمبة سهاريه" حين تصعد للسطح ترى كل المنازل بمستوى واحد لا ارتفاع ولا هبوط تقترب من جدار الجيران لو كان لديك "قوطي نيدو" يمكنك من رؤية ما بداخل سطح الجار.

 السطح مقسم الى قسمين وهذه "حيله" يصنعها الاباء للخصوصية في اوقات الصيف "للاختلاء" مع زوجاتهم وليبقى الابناء في القسم الآخر بين هذين القسمين جدار مرتفع لكي لا يختلس احد الانظار يقسم هذا القسم عن الآخر باب  بدون "باب!" بل خشبة في سقف الباب "ومغاط" مخاط به قطعة قماش بلون ابيض ساتر في اسفلها خيط لكي يربط بمسمار بجدار السطح! اوقات "التطلب"!.

كانت اوقات الصيف افضلها ليالي النوم في هذا السطح نقوم بفرش "المطارح" اذا اظلمت الدنيا  وقبل النوم بساعات يمر كل منا بفراشه ومعه  كأس من الصاج ملي بالماء يقوم بأخذ رشفة من الماء ثم يمر على "المطرحة" وينفخ ما رشفه على مكان نومه لكي يبرد من "نفحات الحر" ((أعاذنا الله واياكم من حر جهنم)) نقوم بعدها بممارسة انواع المصارعة انا وأخوتي حتى يمر الوالد رحمه الله  بثوب نومه من امامنا سائلاً أصليتم ونقف  سطراً منتظماً اعيننا للأرض "نعم يايبه" ومن لم يصل منا يستأذن ليتوضأ ويصلي مقدما  عذره قبل الذهاب لأداء صلاته! نتسامر قليلا انا وأخوتي حتى نسمع "نحنحة" الوالد مؤذنة بوقت النوم الذي يطفئ فيه نور "اللمبة" الصفراء ذات القاع  البلاستيكي الاسود المقوى.

هكذا كانت سهرات الصيف ذو السموم في لهيب الرياض وفي منزلنا الكائن بحي الجرادية القديمة أما ليالي الشتاء فكنا ننام في مخادعنا السفلية بعيدا عن قرصة البرد التي "تكسر المسمار".

 مر بي عدة فصول من الشتاء والقيظ في ذلك المنزل ولازلت اذكر ذلك الشتاء الذي اشترت به والدتي "دفاية" اطول مني ، والسبب حرص والدتي الزائد حفظها الله لتدفئتي .

في احد ايام الشتاء الباردة جدا والذي مر بنا في رياض الخير ونحن لانعرف موازين الحرارة ولا درجاتها ايقظتني والدتي حفظها الله لكي اذهب لمدرستي الفاروق الابتدائية وعجلت بتجهيز ملابسي وانا بدورة المياه "اعزكم الله" خرجت وتوضأت وانا ارتجف من البرد اسناني تصطك من شدة البرودة ولون شفتاي اقرب الى الزرقة "اكحكح" لعلي الفت نظر والدتي بأن ترحمني وتعفيني من الذهاب الى المدرسة وهي تهمهم بأسرع تعال سوف تتأخر ذهبت لناصياتها وركبتاي ترتجفان فضمتني حفظها الله ثم اخرجت علبة  "الفكس" وقامت بدهني ثم ألبستني من "الفنايل" الداخلية ما الله به عليم واسبلت علي ثوبي ثم البستني "جورب" ثقيلا وقربت دفايتها "الوقافي" ذات دبة الغاز وصحن شبيه بالمرواح التي ترونها بالمساجد سابقاً قلت لها تأخرت قالت اصبر يا بني بقي ان البسك الغترة فالبستني تلك الغترة "لا عادها الله من غترة" وربطتها ربطة بإذنين منسدلتين كأذني "حمار" أعزكم الله وشدتها بالوثاق حتى كأنها خنقتني وقالت لي اصبر قليل سأشرع في تجهيز فطورك!.

وذهبت للمطبخ وانا واقف امام "الدفاية" ولازلت اشعر بالبرد حتى اذا دفئت واملت وجهي "على الدفاية" لأشاهد صورتي واخرج همهمات لتغير صوتي مروحة "الدفاية" فيعجبني ما ينتج من صوت! واثناء اقترابي اكثر واكثر علقت اذن الغترة "بل اذن الحمار" في النار ثم بدأت بالصراخ والركض في انحاء المنزل ووالدتي  تلاحقني بسطل من الماء والنار عالقة في رأسي وفي "أذني الحمار" اعزكم الله  اللتين بأعلى رأسي !!! رشت ولدتي سطل الماء علي  فخمدت النار وامتلأت ملابسي بالمياه وضحكت والدتي بقهقهة صوتها يسمعه من بآخر الدار ثم "فسخت" كل ملابسي وادخلتني دورة المياه "واستحممت وخرجت لها لتلفني "ببطانية" لكي لا ابرد وطالبتها بعدم الذهاب لتأخري فوافقت وفرحت كثيرا واخذتني ذلك اليوم بزياراتها لكل نساء الحي وتحكي لهم سبب غيابي ذلك ويدعون لي بالحفظ ويضحكون ويتبادلون القصص والضحكات ويرمون علي بالحلويات فكان ذلك اليوم يوم لا ينسى بنهاية سعيدة.


وكذلك هو البارحة يوم لا ينسى من أيام الذئب افرحني فيه كثير بتأكيده ونفيه لخبر التعاقد مع المفلس جوزيه .
وافرحني كثيرا بكل شفافيته وصراحته التي لا تمل لقد اوجعت كثيرا البارحة يا "كابتن" وستوجع كثيرا ان شاء الله ان عدت بعد اكمال تطويرك لنفسك وسواء عدت لنا  السنة القادمة او التي بعدها فمقعدك على ال"البنش" محجوز لأنك اهل لها و رمز للعصامية حفظك الله اينما ذهبت في حلك وترحالك.
كتبه أبو سلطان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق