الصفحات

الاثنين، 18 يونيو 2012

عبدالخالق..."نهاوند" ...و مقام "البنجكة"!



درست المتوسط في مراحلها الثلاث بين متوسطتين في مدينة الطائف هما الريان و المثناة في كل مدرسة اكتسبت الكثير من الأصدقاء ف"عبدالله" لديهم شخص غريب لهجته غريبة ووقت معيشته في الطائف أغرب!.


قضيت الصف الأول في متوسطة الريان لازلت أذكر الأستاذ عيسى العيسوي مدرس اللغة الانجليزية الذي أسسني تأسيسا ممتازا حفظه الله وأجزل له المثوبة إن كان من الأحياء ورحمه الله وغفر له إن تولاه عنده،انتقلت في الصف والسنة التي تليها إلى متوسطة المثناة وقضيت بها سنتين من أجمل سنين العمر تعرفت على الكثير من الأصدقاء منهم من بقيت صلاتي به حتى وقتنا الحاضر والبعض تقطعت بهم السبل في هذه الدنيا ولم أتواصل معهم بسبب فقدي لعناوينهم ومناطقهم التي انتقلوا لها!.

احد هؤلاء الأصدقاء التي انقطعت أخباره هو عبدالخالق "نهاوند" وللقب نهاوند قصة جميلة ذكرها لي في إحدى "فختاتنا" إلى الشفا لتناول الإفطار والشيشة.


في إحدى أيام الدراسة الاعتيادية في متوسطة المثناة وفي السنة الأخيرة "الكفاءة" (1403)هـ اقترحت الشلة أن "نفخت" إلى منطقة الشفاء وهي تبعد عن مدينة الطائف مابين 25 وال30 كلم جهة الغرب هي منطقة جبلية تكثر بها أشجار العرعر في الشتاء أهلها ينزلون للطائف بسبب برودتها العالية وفي الشتاء يقل سياحها فتصبح من أهدى المناطق، اتفقنا على "الفركة" و"الفركة "هي ما يقابل "المفاخت" لدينا في نجد والمصطلح يعني التسرب من الدراسة!.


تسللنا بعد قرع جرس الحصة الأولى وبعد تحضير جميع الطلاب فكل واحد من الشلة في الفصل الثالث متوسط أ و ب استأذن من مدرس المادة لقضاء حاجته وأنا أولهم وصديقي عبدالخالق لحق بي بعد عدة دقائق.



تسربنا جميعنا وركبنا دبابات الشباب "دباب الطائف" وهي سيارات صغيرة سعر الواحد منها كان لا يتجاوز 6 ألاف ريال هو شبيه "بالطقطاقي" ولكنه بأربعة كفرات ،كنا 6 أشخاص أنا و عبدالخالق في "دباب" وزهير وعاصم في "دباب" وموسى و عبدالسلام في "الدباب" الأخير.

كانت الساعة تقرب من الثامنة وصلنا بعد معركة "مساقط" بين الدبابات الثلاث لمنطقة الشفاء واذكر بالضبط قهوتنا المعتادة الرابعة علي اليمين الأجواء ضبابية رائحة العرعر تنتشر في الأجواء تدخل الخياشيم فلا تملها و"تضرب" في أقصى درجات الدماغ!.


دخلنا القهوة وبأعلى صوته صاح عبدالخالق "ياقهوجي" اتجهنا " للمركاز" الأيمن وجلسنا على مقاعد "القهوة" الخشبية المنسوجة بالحبال طلبنا من المباشر طعام الإفطار و"براد" الشاي الطائفي "المنعنش" وحبسنا بعدها "بالشيشة" ثم تبادلنا الأخبار و "السواليف" عندها طرح عبدالخالق استفسارا عن أينا سافر خارج المملكة جاء الدور علي فقلت سافرت إلى أوربا العام الماضي مع عمي وعائلته وقبله سافرت إلى البحرين باقي "الشلة" أوضحوا أنهم لم يتجاوزوا حدود الطائف! أما عبدالخالق فقال دعوني أخبركم بقصة سفري الأولى إلى قاهرة المعز!.


يقول : توفت جدتي رحمة الله عليها العام الماضي وقسم ورث لها نالني منه عشرة آلاف ريال دعيت لها بالرحمة والثبات وقصصت جواز السفر وسافرت للقاهرة لأقضي بها شهرا تحول إلى أسبوع! وصلت في يوم اثنين لمطار القاهر الدولي تناولوني عند خروجي من الجوازات سائقو "التكاسي" وكل منهم يقول "من هنا يابيه" وأسقطني الله لدى ذلك "النصاب" الذي أمال علي وقال لدي ما تريد لدي شقه مع خادمة "لا تنقطع!!" في حيٍ راق وبأفضل الأسعار فقط اركب لنذهب لمكتب العقار!.



ذهبنا للمكتب بالقرب من شارع جامعة الدول العربية وفي الطريق بدأ بعرض خدماته "لدي مزز يابيه اللي سيادتك عاوزو اقيبه ليك يابيه انت بس أأمر يا سعادة البيه" يقول عبدالخالق أجبته بلا أريد "سيبنا من الهرج ودق الحنك حقك وديني المكتب حقك هادا" وصلت للمكتب العقاري واستأجرت شقة في عمارة من 14 دور والشقة في أعلاها ودفعت التأمين وقيمة أسبوعين وذهبنا للشقة وانزل سائق التاكسي حقائبي وصعدنا با"الأصانصير" وادخل الحقائب حاسبته وواعدته أن يأتيني مغرب اليوم لعزمي على الذهاب لشارع محمد علي! .



بعد قيلولة قضيتها حانت ساعة الذهاب ونزلت الدرج حيث أن مصعد العمارة تعطل خرجت من باب العمارة فإذا بالسائق ينتظرني ركبنا وقدنا باتجاه شارع محمد علي في الطريق سألني سائق التاكسي عن سبب ذهابي فقلت له ابحث عن عود "آلة موسيقية" هنا صرخ "دول وحشين ونصابين يابيه ما تيقي نروح الحسين هناك محلات كتير ونأدر نفاصل" يقول عبدالخالق قلت: "اضحك على غيري يابويه بلا نمك امش على المكان اللي قلتلك بلابهلله!" وصلنا لمحلات الآلات الموسيقية وترجلت من السيارة ومررت بعدد من المحلات وتوقفت بأحد المحلات لشراء العود وقال صاحب المحل اعزف لنا قليلا! فرد عبدالخالق انا مبتدئ فرد صاحب المحل هل تريد معلما! قال عبدالخالق نعم أجاب صاحب المحل لدي مدرس يستطيع تعليمك العزف والنوتة في 10 أيام!. 


دفعت لصاحب المحل ثمن العود 325 جنيها وحملت العود واتفقت قبل الذهاب أن يتصل بي حال اتفاقه مع مدرس لكي يحضر لي في الشقة! وكلما أنهى مقطعا عبدالخالق من قصته "شفط" عميقا من "شيشته وبربر" كأنه مدخنة ناقلة بترول ! استعجلنا عبدالخالق بإكمال القصة وعدم الإطالة لقرب نهاية الفركة وتذكيره بموعد الانصراف ورفع أسماء الحضور في أخر حصة "للفصل"!.


أكمل عبدالخالق قصته يقول: اتفقت أنا والمعلم وجاء بمعية سائق التاكسي وبدأت حصص الدراسة الموسيقية واخذ يشرح لي المقامات والسلم الموسيقي هذا صبا وهذا مقام النهاوند وهذا السيكا وهذا البنجكه وأنا بنشاط أسجل في دفتر!
ثم قام برسم السلم الموسيقي ودرجاته وتطبيق ذلك عملياً على آلة العود وكلما انتهى جزء من الحصة قام بلف سيجاره كنت اعتقد أنها سيجارة عادية!.


انهينا اليوم الأول والثاني والثالث وفي اليوم الرابع وبعد أن دفعت له ما يقارب 150 جنيها ، جلب "شنطة" سوداء صغيرة فتحها وداخلها قطعة قصدير اخرج منها قطعة مشابهة للصلصال وفتح علبة سجائره وكسر أكثر من سيجارة وبدأ "يفرط" الصلصال مع الدخان ويلف باحتراف ثم يبللها بلسانه ويعيد وضعها في علبة سجائره!.


أنهى المدرس لف سجائره وبدأ مراجعة مادرسناه في الثلاثة أيام الماضية وقام بعزف التقاسيم وتدريبي على العزف الصحيح هو على عوده وأنا بعودي.... أشعل سيجارته وطلب من الخادمة إقفال "الشبابيك" وأنا مشغول بعمل تقاسيمي !.



يقول عبدالخالق أتممنا حوالي ساعتين من الدرس والتطبيق وكل ربع أو نصف ساعة يشعل سيجاره حتى إذا وصلنا للساعة الثالثة استأذنته لدورة المياه وحين دخلت ترنحت قليلا غير شاعر برأسي أقفلت باب دورة المياه "أعزكم الله" ونظرت في المرآة فإذا بعيناي جاحظتان وعروقهما حمراء! ((عندها شدتنا قصة عبدالخالق وطالبناه بالإكمال ناسين وقت الانصراف))!.


يقول عبدالخالق: خرجت من باب "الحمام" والدنيا تدور بي ولساني ثقيل والأنوار مجهره وعدت إلى كرسيي ثم قلت للمعلم "ايش البلا الي انت قاعد تدخنه" فرد "ده حشيش ياأستاذ" رددت عليه "وانت تحشش وأنا اللي ينسطل!" فرد علي "اصل احنا أفلنا الشباك ياأستاذ" فاكيد انت انسطلت على الريحه!! قلت له أكمل الدرس فأكملنا وأنا في وسط الدرس غفوت ولم أصحو إلا صباح اليوم التالي "شنطتي" مسروقة وأموالي كذلك ذهبت للمكتب العقاري للسؤال عن صاحب التاكسي إن كانوا يعرفونه فأنكروا معرفتهم به وذهبت للمحل في شارع محمد علي لأسأل عن عنوان المعلم فأنكروا أيضا معرفتهم الشخصية بأنهم اتصلوا به عن طريق "خضرجي" قريب من حارته وليس له عنوان بين لديهم وجعلت أمري لله وذهبت لمبنى الخطوط وحجزت عائدا من الغد إلى بلادي .


بعد أن أكمل عبدالخالق قصته رمينا عليه أنواع الضحكات والقفشات واتفقنا بعدها بتسميته بعبدالخالق نهاوند! (بالله امشي يا نهاوند الصرفة جات وانتا لسا مسطول)!.


يبدوا لي أن من يدير مفاوضات الهلال الحالية ليس بعيداً من عبدالخالق نهاوند فكما تسرب أن المهندس محجوب يضغط باتجاه التعاقد مع جوزيه بسبب علاقات "سمسارية" مع نادر شوقي وكيل جوزيه في مصر وإن كانت هذه التسريبات صحيحة فوالله إنها مصيبة المصائب أن يقدم عضوا من مجلس الإدارة مصلحته ومصلحة صداقاته على مصلحة الكيان وعظم الله أجرنا وأجركم في هكذا فكر يدير منطق المفاوضات.
 
سيأتي لي من يقول وكيف حكمتم على الرجل وهو يؤمر وينفذ فأقول من ما سبق من مفاوضات لدول واحمد علي وغيرهم يبين لي كيف يفكر احمد محجوب وليس من المعقول والمنطق أن لا يستشار قبل البدء في المفاوضات فبمجرد ضغطه في هذا الاتجاه أو ذلك لينفذ مصلحته يعتبر سقطة في حق الكيان!.
 
اعلم يا أستاذ احمد انك مسئول أمام الله ثم أمامنا عن خياراتك وعن أرائك فاتق الله في جماهير الزعيم وقدم مصلحة الكيان على مصلحتك ولا تغرنك صداقة قريب أو بعيد فمآلها الانطواء ويبقى عملك المنجز من يرفع أسهمك لدى الغير من جماهير أو مسئولين فاعمل لهؤلاء الذين وضعت لخدمتهم وفقك الله لاختيار الأنسب والأجدى لفريق الهلال.
كتبه عبدالله المقرن










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق