الصفحات

الجمعة، 25 مايو 2012

" كلو..... باليللو...كلو شّرشّو..! "



في اطراف حارة بقيلي بالقرب من وادي "وج" عشنا سنتين في شقة منفصلة من الباب الرئيس لعمارة دورين فقد كان لشقتنا باب مستقل عن باب العمارة  كانت العمائر حين تبنى في الطائف يوجد في الوسط منها "منور" المنور عبارة عن  غرفة الخدمات المفتوحة  "بدون سقف" عبارة عن متر في متر او مترا في مترين وتحوي جميع مواسير العمارة الصحية والمائية وكانت ملجئي الشخصي ومكان الاعتزال حينما تحلك الامور وتصعب على حين الفرار  او الاختباء فقد كنت اصغر اربعة من الابناء ، صغير الحجم مرن الجسم سريع الاستجابة وجسور بلامبالاة لا افكر حين أقدم على مغامرة كسائر الاطفال لهذا "المنور" باب صغير معدني لا يستطيع دخوله احد من اخواني سوى من يكبرني بسنتين لتقارب اجسادنا المتشابهة.

كنت عند الازمات مع الاخوة انسل سريعا لهذا المكان من بابه الصغير واذا لحق بي ابا عبدالعزيز قمت "بمد" رجلي بين جداري المنور صاعداً على اربع كعنكبوت حتى أصل الى مواسير الخدمة الكبيرة والتي احشر يدي الصغيرتين بينها وبين الجدار ثم اواصل الصعود الى سطح العمارة لكم أن تتخيلوا كيف سيكون وضعي لو سقطت من ذلك العلو ولكنها جسارة غير محسوبة العواقب.

كانت اوقات الصيف من اجمل اوقات الطائف فكان ابناء العمومة وأهل الرياض يصطافون في الطائف حيث كانت الوجهة الاولى للعوائل والشباب تلك الايام اما اليوم فقليل من الاسر تذهب للطائف فقد فتحت الطرق لمدن الجنوب وانتقل المقر الصيفي للدولة الى جده ومكة فقل مصطافوها الا من يمر بها متوجها لمكة او جدة او الجنوب مع انني حتى يومي هذا احبذها على كثير من مدن الجنوب "تعلق" كانت اوضاعي المادية تزدهر في الصيف لأنني تعلمت ان المال يأتي بالمال فأي هدية مالية تعطى لي يجب استثمارها او انها ستذهب هباء، وقد كان شباب الطائف يبدعون في جذب المصطافين بصنع "المداريح"  وهي المراجيح الخشبية التي تسوى بمرابيع وحبال ومسابقات "المداد" لهذا النوع من المراجيح وبسطات "البليلة" تجلب الكثير من الجيوب بخلاف اكلات الطائف المشهورة "كالهريسة او المنتو واليغمش" كل ذلك من تراث الطائف الذي يزداد صيفا اثناء حكم الملك خالد طيب الله ثراه في اواخر التسعينات وبداية الالف واربعمئة هجرية.

كان مجموعة من الشباب صغار العمر او بمقتبل العمر يتسابقون باستغلال فترة الصيف في الكسب المادي الشريف في تلك المناسبات و"الموروث" الشعبي وقد فكرت كثيرا قبل ان اتجه لمجال استثمار هدايا النجاح او الاعياد فلم اجد اسهل من "البليلة"!.

فلا أمَ "بخارية"  لتصنع "المنتو واليغمش "ولا أخت "يمانية" لتخبز لنا "الهريسة" فكان افضل المجالات بعد دراسة الجدوى "البليلة" فصنعها ليس بالصعب فهي من البقول وشبيهة بالفول او العدس في  الصنع "تخمير ثم تحضير وطبخ" ومن ثم تقديم وتسويق استخرت وتوكلت على الله وذهبت لشارع حسان بن ثابت بين الشهداء الشمالية والجنوبية مشياً على الاقدام في بداية أول الايام الصيفية مع اموال "النجاحة" متجهاً لأماكن بيع المواد الغذائية ادخل لكل محل استفسر عن اجود حبوب الحمص فوجدت ان اليماني افضلها واغلاها سعرا فاشتريت كيلوجرامين
مبدئياً لتجربة الخطوة واشتريت مكملات الطبخة الخل والكمون والبهارات ثم مررت عائدا على محلات الخضار واشتريت الشمندر والجزر والخيار والطماطم!.

وعدت للمنزل وبدئت في اعداد العمل من الليل قمت بتخمير كيلو من  الحمص بعد صلاة العشاء وغسلت الخضروات وجهزتها للتقطيع وقمت بخلط الخل الاسود بالماء ووزن درجاته ثم جهزت كل شيء وذهبت للنوم مبكراً لكي استيقظ مبكراً لإكمال المخطط!.

صحوت على صوت ديك الحي واغتسلت للصلاة وبدئت بتقطيع "الشّرشّو" خلطة "البليلة" وهي سلطة توضع لتطعيم البليلة مع المكونات الاخرى "الحريفة" ثم وضعت قدر البليلة على الموقد واشعلته و"نملت" للنار بقدر لا يحرق "البليلة" ثم ذهبت للمسجد صليت الفجر وانا أفكر في كيفية تقديم "البليلة" "اللهم اعف اعني وتقبل صلاتي تلك" فقد دارت بي شياطين الجن كلها وهي "تزوق" لي المخطط الكامل وكيف اني سأتوسع بعمل بسطة متحركة لبيع "البليلة"!!.

سلم الامام وركضت مسرعا للبيت متجها لقدري انظر الى "البليلة" وتذوقها هل نضجت ام لم تنضج!. وبقيت على ذلك الوضع لمدة ساعة ونصف حتى تكرمت علي بليلتي بالنضوج.

بدأت بمرحلة التسويق فليس لدي "بسطة" فذهبت لمخزن "المعايش" وفرغت كل كراتين المناديل لأجعلها كطاولة اضع عليها قدري ومغرفتي وصحون الغرف وبقية المكونات !.

وصلت الساعة بالقرب من الثامنة واصوات الحي اخذت بالازدياد وانا اسارع الخطوات بنقل الكراتين والقدر و"الشرشو"  والملاعق والصحون الى دكة "تجّمع" ابناء الحي قمت بتصفيف كل اغراضي وبدأ اطفال الحي بالتوافد وصحن بليلة يغرف وصحن فارغ يرمى وريال "يابلاش" يدخل الجيب وكل ما هدأ الوضع "صرخت بأعلى صوتي باللهجة " الحجازية" " كلوا ......باليللو...كلو شّرشّو..! " ثم بدأت فتيات الحي يأتين وسبحان الله "يكاسرن" حتى في صحن "البليلة" ومن كانت حالتها بائسة كنت اقبل "بنص" ومن كن بحال جيده اقنعهن بزيادة بفارق نصف لأكمل ما تخليت به من هذا على ما زدته على هذا "شريطي".

امضيت اليوم الاول واليوم الثاني والثالث على تلك الحال وانا امني النفس بالمكاسب! حتى اكملت اليوم الخامس متعباً وقررت بحساب ارباح البسطة!.

وبعد عد ورد وجدت ان المكاسب ضعيفة فالمصروفات تجاوزت 150 ريالاً والمكاسب 37 ريالاً في خمسة ايام اضف الى ذلك "كعابيات" حسان بن ثابت "ومفاصل"  الباعة ووجدت ان الارباح قليلة بسبب تطوري بشراء مخللات بدل من الخضار الطازجة فقررت العودة الى الخضار الطازجة والاكتفاء بها مع المواد الاخرى ثم بعد حساب للوقت والتعب قررت الاتجاه "للبليلة" المعلبة فقد كانت العلبة الواحدة بريالين يمكنني بيعها مع المكملات بخمسة ان لم اصل الى 6ريالات وذلك بعد تسخينها وبالفعل نجحت الفكرة بل ان الكثير من المرتادين اخذ بالتغني بطعم "البليلة" الجديدة ولو ان احد منهم علم "لا برحني ضرباً" انهيت المشروع بعد شهر كامل اكملت به سعر دراجة ذهبت لشارع ابا العتاهية واشتريتها ب450 ريالا بالتمام والكمال امضيت بقية صيفي تلك السنه اتنقل في جميع حارات الطائف على تلك الدراجة الجميلة والتي أتت بعد تعب ومثابرة.

من ما نقله لي "السُرد" أن كثير من تعاقدات ادارة نادينا حفظها الله ينظر لها بنظرة استثمارية على مدى بعيد أي امتلاك بطاقات اللاعبين وبيعها بعد صقل هؤلاء اللاعبين وأقول وبالله التوفيق ان هذه النظرة جيدة لو كان من يقوم بها فئة مخصصة من الكشافين الدوليين لا السماسرة الذين يخدعون من  انديتنا بالغث والسمين فإن كانت ادارتنا الفاضلة تود ان تستثمر فعليها ببعث لجنة مختصة للكشف عن هؤلاء اللاعبون في دوريات دولهم مهما كانت ومراقبة ادائهم وتقييمه ثم التعاقد مع اعمار صغيره كما هو الحال مع الاندية الاوربية يتعاقدون مع من عمره في مقتبل العشرين ان لم يكن اقل ثم تطوير وصقل مواهبهم وبيعهم على الاندية الاغنى على ان يتم تحديد حاجات الفريق الاهم من الاستثمار وان يكون ذلك على الحاجات محلياً واجنبيا فلما لا يتم استثمار اللاعبون المحليون ولنا في تجربة القادسية والاتفاق اكبر الامثلة وذلك مصدر دعم مهم للفريق بدلا من التنازل عن لاعبونا بالمجان وبدلا من استئساد الفرق علينا اثناء المفاوضات ومماطلة ومزايده لا طائل منها فحين نفـّعل جهاز كشافين على اعلى مستوى سيكون معين للفريق "لسد حاجته" ولإستثمار من تريد ادارتنا استثماره مستقبلاً.
وفق الله ادارة الزعيم بعقول منتجة.

كتبه عبدالله المقرن


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق